دراسة قصيدة الفتوى

دراسة قصيدة الفتوى للشاعر الكبير محمد فليح العقابي

قبل الدخول الى تحليل القصيدة بودي أن أسأل سؤالاً00
لماذا الحداثة في الشعر الشعبي لا تلاقي القبول الكافي عند البعض في وقت قد وصلنا فيه الى مابعد الحداثة في كل مجالات الفن والادب والثقافة بوجه عام ؟
فالقصائد المفتوحة أو ماتسمى بقصائد التفعيلة هي ليست تلك القصائد السهلة وأن تفجير طاقات هكذا نصوص يحتاج الى عدة روافد منها التراكمات الثقافية وتجارب الحياة وصور الواقع وابتكارات الخيال وقد يتجاوز التحليل فيها الى الغوص في مجاهيل النفس00 والشاعر محمد فليح من فرسان هكذا نوع من القصائد 0 فقد وجد في القصيدة المفتوحة فضاء رحب ينطلق من خلاله برشاقة لمعالجة هموم الناس او طرح افكار شعرية جديدة0
انه شاعر لا يكتب بلغة عارية تبحث عن صورة هنا او صورة هناك بل انه يكتب بلغة تتقبل القصيدة كلها كصورة واحدة وهي بهذا المعنى تعطي انطباعاً بالحكائية التي تقدم الواقع بالتجريد00 فهو يقدم هموم الناس ويدفع بها الى الشمس0 وأن قصيدة الفتوى (الفتوه) تختلف عن القصائد الخرساء التي التي لاتنطق مهما حاولنا انطاقها 0 فقد بدأ محمد فليح بفتح الجرح العراقي ذلك الجرح المتمرد على الضماد وحاول ان ينقل لنا هموم الناس بآذانه الخفية التي تسمع تلك الاصوات الشبيهة بالسكوت0 ووضع خفايا نفسه وهواجسها في ابياته ولم يتاجر بأفكاره أو يرقص على آلآم غيره 0 فهو شاعر متحرر لايؤمن بالانقياد الى السلطة الدينية بدون وعي 0 فالوحدة الموضوعية لقصيدة الفتوه تمثل أدانة لأصحاب الفتاوى التكفيرية 0 فالفتاوى واصحابها حالات طارئة غير مرغوب بها انبثقت من رحم الاحتلال 0 وان محاولة تحليل هذا النص هي محاولة لدخول كهوف روح الشاعر تلك الكهوف المليئة بالهواجس المخيفة00لذلك سوف أحاول التوقف عند بعض الاضاءات الشعرية وتحليل بعض الابيات ومن الحق أيظاً أثارة بعض التساؤلات 0وسأبدأ بعنوان القصيدة وهو(الفتوه) فهو عنوان مثير للأنتباه وربما يكون مثيراً للجدل ولكنه على أي حال سيدعو للتوقف عنده ولو للحظة ويفرض عليك أن تتساءل على الاقل ما الذي يقصده الشاعر بهذا العنون ؟ 00 ولو دخلنا الى النص فسنجده مكتوباً بلغة بيضاء ومشحون بطاقات وذخائر لا حصر لها 0 فالنص يطرح قضية وطنية مكتوب أغلبها بأسلوب مباشر بأستثناء مطلعها الذي يقترب من الفلسفة وهو تصوير يبين الارهاصات الذاتية للشاعر ويوضح قدرته في استخدام الاستعارات والمجاز بخلق صورة تجمع ما بين الواقع والخيال 0 فيقول :
( فوگ المرايه الوجه ينزف ضواه00
ومنهو مثلي 00 وجهه فوگ المرايه نساه00
كلهه تركض00 ظلّي يركض00 وآنه ما أركض وراه )
ثم ينتقل بنا الى لوحة درامية ناقدة وساخرة00
( گوم حب أيد اليذبحك 00 گبل مايبدي الصلاه ؟
وحنّي بابه بدمك00 وأطلب رضاه ؟
وشيل عينك خرزة حطهه لمحبسه وسويله جاه
هذا ذباحك مجاز ويذبح بأسم الأله !!! )
فهذه السخرية لا تعني الخضوع انما الثورة على واقع مؤلم يتناقض مع الافكار التحررية التي يحملها الشاعر 0 فهو يعي تماماً أن الدين الحقيقي تنعكس أثاره أيجاباً على علاقة الانسان مع الاشياء من حوله 0
أما البداية الحقيقية لدخول معترك القصيدة فقد كانت في البيت الأتي :
( چنت نايم00 فززتني أصوات فتوة00 الفتوه ظلمه وباگت الصبح وضواه )
وأنّ (چنت نايم) تدل على الاسترخاء والاستقرار الفكري أمّا (فززتني) فأنها تدل على وقع الفتوى من حيث كونها مرعبة ودخيلة وغير مرغوب بها وهذا ماوضّحه في (الفتوه ظلمه) كما حمل البيت معه روح الشاعر الشفافة في (الصبح وضواه) 0 فقد نجح الشاعر في خلق بداية حقيقية لمعترك كبير0
ثم يسترسل00 الى أن يصل الى البيت :
( الفقير يموت من أجل الفتاوه00 وماكو فتوه أتطالب بحق القتيل )
هنا تتضح جرأة الشاعر بربط موضوع القصيدة بالسياسة وواقعها المؤلم فكثيراً ما نجد البعض من مراهقين السياسة والمنتفعين من هكذا أوضاع يطالبون بحقوق السجناء الأرهابيين ولم نسمع منهم أبداً بأي مطالبة لحقوق الضحايا 0
ولو ركزنا في البيت :
( شايل بيمناك باطل 00 وشايل بيسراك موتانه العزيزه
الجوعتهه00الكفرتهه00 الموتتهه00 بمنجلك يابو المناجل )
فقد يعتبر هذا البيت نبؤة شعرية خصوصاً أذا عرفنا ان هذه القصيدة كتبت قبل أن تعرض جريمة عرس الدجيل على الفضائيات بعدة أشهر 0
أمّا الانتقالة الاكبر فأنا أعتبرها في البيتين :
( چان أرحم منّك بمليون رحمه00 چان عاقل !
چان فرعون آلآله شگد بسيط00 وقشمره حلم السنابل )
فهذه العبارات الرشيقة مزجت الواقع بالرمز والحلم 0 أنها أستعارات أخذتني الى عالم مجنون ولكنها أبقتني في الوحدة الموضوعية 0
أمّا البيت :
(خيطيت أشفافي بيدك00 وصوتي چان بصرخه حامل )
أنها صورة ألتقطها الشاعر بكاميرا مخيلته ولكن ما أستوقفني حقّاً هو مفردة (أشفافي) فعلى الرغم من مأساوية الحالة تجد روح الشاعر الشفافة حاضرة وبقوة 0 وهناك الكثير
من هذه المفردات الشفافة والانيقة تمتليء بها القصيدة مثل :
( حلگ البلابل , وجه الشموس , حلم السنابل , الصبح وضواه , 000 )
فأنا أعتقد ان محمد فليح يأخذ مفرداته ويلبسها البدلة والرباط الانيق ثم يدخلها الى القصيدة 0
ولن أستمر في تحليل الابيات الى اكثر من ذلك بسبب طول القصيدة الذي لم نشعر به أبداً لأنها كانت ذات أيقاع نغمي ترك أثر ممتع في القصيدة فنلاحظ بأن السرعة الايقاعية الممتعة تتناسب مع الفضاء الحركي الذي يمنحه الوزن الذي نهضت عليه القصيدة موسيقياً0
ومع هذه القصيدة الحافلة بالموضوع والجماليات من الحق أن نتساءل عن الدور الذي يطمح له الشاعر بقصيدته هل هو دور تنويري أم تغييري ؟
فأذا كان تنويري فقد وصلت الرسالة 0 أمّا أذا كان تغييري فأين الحلول والمعالجات خصوصاً أننا نعرف بأنه يقع على عاتق العلماء والمفكرين والادباء الثقل الاكبر في رفع اللبس في كثير من المفاهيم والافكار غير الواضحة ؟؟؟ 0
وعلى العموم ومن وجهة نظري الشخصية فأنا أؤكد نجاح الشاعر بتقديم قصيدة تمثل دراسة موضوعية وبأطار ملون في معترك الصراع الديني والفكري فقد كانت قصيدة مكتنزة بكل ما هو رائع 0000
وفي ختام هذا التحليل المتواضع أتمنى أن أكون قد وفقت في أيضاح ما يرمي أليه الشاعر
فقد فتح محمد فليح الطريق ورمى الرمح بعيداً وعلينا أن نلتقط الرمح ونرميه الى ابعد من ذلك

00
بقلم/ حيدر المدرس